Salim Tayssir Melhem
14 مايو 2025
عرفت السجون في المغرب سنة 2015، وعلى غير العادة، ارتفاعا في عدد حالات الانتحار مقارنة مع السنوات السابقة.
فقامت المندوبية العامة لادارة السجون و اعادة الادماج بالاتصال بالمعهد الدنماركي لمناهضة التعذيب – ديجنيتي للدعم التقني.
وعليه، تلقى أكثر من 6.000 من موظفي المؤسسات السجنية تكويناً خص كيفية التعامل مع حالات الانتحار وإيذاء الذات. فصار المغرب اليوم أول بلد في منطقة شمال أفريقيا والشرق الأوسط ينتهج سياسة مستقلة للحد من حالات إيذاء الذات والانتحار بالمؤسسات السجنية.
في السطور التالية تجدون مداخلات بعض من أخذوا بزمام المبادرة للنهوض بمشروع منهاضة التعذيب و تعزيز الخدمات الصحية بالمؤسسات السجنية المغربية.
عرفت السجون في المغرب سنة 2015، وعلى غير العادة، ارتفاعا في عدد حالات الانتحار مقارنة مع السنوات السابقة.
فقامت المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج بالاتصال بالمعهد الدنماركي لمناهضة التعذيب – ديجنيتي للدعم التقني.
وعليه، تلقى أكثر من 6.000 من موظفي المؤسسات السجنية تكويناً خص كيفية التعامل مع حالات الانتحار وإيذاء الذات. فصار المغرب اليوم أول بلد في منطقة شمال أفريقيا والشرق الأوسط ينتهج سياسة مستقلة للحد من حالات إيذاء الذات والانتحار بالمؤسسات السجنية.
في السطور التالية تجدون مداخلات بعض من أخذوا بزمام المبادرة للنهوض بمشروع منهاضة التعذيب و تعزيز الخدمات الصحية بالمؤسسات السجنية المغربية.
انفتحت البوابة الحديدية الزرقاء الطويلة ببطء لتكشف عن مدخل سجن العرجات 1 بسلا في ضواحي العاصمة المغربية الرباط.
“يتسع السجن لـ 1200 شخص، لكنه يحتوي حاليًا 1425 سجينًا”، أبلغنا مديره السيد عبد الإله الحافة عند استقباله لنا، قبل أن يضيف :
“كلما تناولنا مسألة إيذاء الذات والانتحار بالمؤسسات السجنية، إلا ووجدنا من أسبابها مشكلة الاكتظاظ”. ثم يتابع السيد عبد الإله الحافة فيقول :
“شهدنا في السنوات الأخيرة تغيرات كبيرة فيما يتعلق بمسألة إيذاء الذات والانتحار. فبينما كنا في السابق نلجأ لاستخدام القوة والحزم في التعامل مع النزلاء ذوي المشاكل الذاتية، صار لدينا اليوم الأدوات اللازمة للاستماع إليهم والتواصل معهم. فالموظفون باتوا مدركين بما ينبغي النظر فيه لدى السجناء ويمكنهم إحالتهم إلى الطبيب ثم إلى أخصائي نفسي أو مساعد إجتماعي”.
لم يأتِ هذا التغيير بمحض الصدفة.
إذ تلقى أخصائيو الرعاية الصحية و المساعدون الإجتماعيون و موظفو الحراسة و الأمن في سجن العرجات 1، شأنهم شأن 6.000 موظف في قطاع السجون المغربية، تكويناً في السنوات الأخيرة قصد تمكينهم من تحديد حالات إيذاء الذات والانتحار بين السجناء والتعامل معها. وقد كان لهذا التكوين تأثيرًا ملموسًا وإيجابيًا، وفقًا للسيد عبد الإله الحافة، الذي يقول :
“تحسّن التواصل بين المساعدين الاجتماعيين و الطاقم الطبي و باقي موظفي بالمؤسسات السجنية والأطباء وتعاونهم في سبيل مساعدة السجناء وحل مشاكلهم. وهو ما يقلل من خطر حالات إيذاء الذات. كما صار موظفو السجون ينصتون إلى النزلاء ومشاكلهم أكثر من ذي قبل. هذا سبب التغير.”
فيديو: استمع هنا إلى مدير السجن عبد الإله حفا يتحدث عن الوقاية من إيذاء النفس
عبد الإله حافة هو مدير سجن العرجات 1 في ضواحي العاصمة المغربية الرباط.
كما هو الحال في العديد من السجون في مختلف بقاع العالم، يواجه المغرب تحدياً فيما يتعلق بحالات إيذاء الذات والانتحار. عادةً ما تأخذ حالات إيذاء الذات شكل جرح الشخص لنفسه عمدًا أو ابتلاعه أجسامًا غريبة كبطارية او شفرة حلاقة. وغالبًا ما تكون مستويات إيذاء الذات بالمؤسسات السجنية أعلى منها خارجها في المجتمع.
لهذا السبب تواصلت المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج مع المعهد الدنماركي لمناهضة التعذيب – ديجنيتي في عام 2016 لفهم الأسباب الكامنة وراء إيذاء الذات والانتحار بالمؤسسات السجنية ومعالجتها.
ومن أبرز من ساهم في هذا التعاون بين المعهد والمندوبية الدكتور توفيق أبطال، رئيس قسم الرعاية الصحية بالمندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج، الذي يقول:
” الحد من حدوث حالات إيذاء الذات والانتحار بالمؤسسات السجنية، يساعد على ضمان سلامة النزلاء وإعادة إدماجهم في المجتمع”.
وفقًا للدكتور توفيق أبطال، غالبًا ما يعاني السجناء من مشاكل نفسية ومن الإدمان على تعاطي المخدرات قبل دخولهم المؤسسات السجنية، فيجدون أنفسهم مكرهين على الإمتناع عن المخدر، كرها لا طوعًا، وهو ما قد يترتب عنه ردة فعل عنيفة. وبحسب الدكتور أبطال فهنا تكمن أهمية استقرار حالة الأشخاص المودعين بالسجن والاهتمام بصحتهم البدنية والنفسية.
ويضيف الدكتور حول التعاون مع معهد ديجنيتي، “تقدم المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج برامج تكوينية وتعليمية وأنشطة مختلفة لتأهيل الأشخاص المودعين بالمؤسسات السجنية للعودة إلى المجتمع بعد قضاء مدة عقوبتهم. ولكن، إن لم يكن السجناء مستقرين بدنيا ونفسيًا، يصعب انخراطهم في هذه البرامج والأنشطة كيف ما كانت جودتها او تعددها. لهذا، تعمل اطر مختلف مصالح المؤسسات السجنية، من موظفي الرعاية الصحية واخصائيون نفسانيون ومساعدون اجتماعيون وموظفو الحراسة و الأمن، اليد في اليد، للحيلولة دون حدوث حالات إيذاء الذات والانتحار.”
تعود المسؤولية عن السجون في المملكة إلى “المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج”، والتي تم احداثها كهيئة مستقلة في عام 2008، تخضع مباشرة لسلطة رئيس الحكومة.
المغرب من الدول التي صادقت على اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب وبروتوكولها الإختياري. في نهاية عام 2023، بلغ عدد السجون في المغرب 74 سجنًا، تأوي 102.653 نزيلا، معظمهم من البالغين (99%) ومن الرجال (98%). أحد أكبر التحديات التي تواجهها السجون المغربية هو الاكتظاظ، والذي يبلغ حاليًا 159%. ومن بين السجناء نجد 38.552 شخصًا (38%) في انتظار المحاكمة (احتياطيين).
الدكتور توفيق أبطال هو رئيس قسم الصحة في مصلحة السجون في المغرب
والسؤال هنا، كيف يمكن التقليص من حالات إيذاء الذات والانتحار بالمؤسسات السجنية المغربية؟
تجيبنا مها عون، مستشارة بالصحة بالمعهد الدنماركي لمناهضة التعذيب، “بمزيد من الدراية وحسن الاطلاع”، ثم تواصل فتقول :
“نقطة الإنطلاق كانت التحقيق في ما كان يحدث بالفعل بالمؤسسات السجنية المغربية. وما خلصنا إليه هو أنه، وعلى الرغم من أن عدد الرجال المنتحرين أكثر من النساء، إلا أن معدلات محاولات الانتحار وحالات إيذاء الذات أعلى بالنسبة للنساء السجينات”، موضحةً أن أولئك الذين يقضون أحكامًا بالسجن المؤبد ومن السجناء في حالة عود أكثر عرضة لخطر إيذاء الذات من غيرهم.
وتضيف مها عون، “انطلاقا من هذه المعطيات شرعنا في تطوير برنامج تكويني لتحديد وإدارة حالات إيذاء الذات والانتحار. وبالتعاون مع المندوبية العامة لإدارة السجون، بلورنا مبادئ توجيهية وطوّرنا دليلًا عمليًّا للوقاية من حالات إيذاء الذات والانتحار والتعامل معهما و تم ذلك من قبل الموظفيين بالخدمات الصحية و الأمنية و الاجتماعية بالمؤسسات السجنية . ولم يقتصر التكوين على العاملين في مجال الصحة بالمؤسسات السجنية فحسب، بل شمل أيضًا موظفي الأمن والاخصائيين النفسانيين والمساعدين الاجتماعيين وموظفين من الإدارة المركزية يسهرون على التتبع “، مؤكدةً على أهمية أن يقوم موظفو المؤسسات السجنية أنفسهم بتقديم التكوين لزملائهم الموظفين، مما يخلق تملك محلي واقتناع بضرورة العمل التشاركي داخل المؤسسة ويضمن استدامة البرنامج.
وتفسر مها عون بأنه تم تكوين مكونين رئيسيين تولوا فيما بعد التنقل من سجن إلى آخر في جميع ربوع المملكة لتكوين الموظفين حول كيفية إدارة ومنع حالات إيذاء الذات والانتحار.
تبدأ جهود منع التعذيب وسوء المعاملة بضمان ظروف إنسانية بالمؤسسات السجنية. وعليه، تعمل منظمة ديجنيتي مع المندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج لضمان تمتع جميع السجناء بخدمات الوقاية والعلاج للصحة البدنية والعقلية. كما تهدف هذه الشراكة أيضاً إلى منع التعذيب وغيره من ضروب المعاملة اللاإنسانية، وهو ما صار يراقبه موظفو الرعاية الصحية بالمؤسسات السجنية، وذلك من خلال الفحص الطبي الاولي الذي يخضع له المعتقلون الجدد الوافدون على السجن من حالة سراح، إذ في حالة تواجد جروح أو كدمات على اجسامهم يقوم طبيب المؤسسة في حينه بتوثيق هذه الاعراض ثم يقدم لهم العلاجات المناسبة. وبالموازاة مع ذلك، يسلم طبيب المؤسسة هذه الوثيقة الطبية إلى مدير السجن من اجل اشعار وكيل الملك لكل غاية مفيدة.
وبهذا الخصوص، تم تكوين أكثر من 900 من موظفي الرعاية الصحية بالمؤسسات السجنية على التقييم الطبي الأولي، بما في ذلك كيفية تحديد وتوثيق الحالات التي تظهر عليها جروح او كدمات على مستوى اجسامهم.
مها عون هي مستشارة أولى في مجال الصحة في مؤسسة DIGNITY.
من بين من شملهم التكوين موظفو السجن المحلي الجديد لمدينة تامسنا في ضواحي مدينة الرباط. فهنا، لاحظت الإدارة والموظفون تغيرًا واضحًا في فهم حالات إيذاء الذات والانتحار وفي التعامل معهما.
يقول مدير السجن، السيد رشيد مجغيد : “في السابق، عندما يلجأ سجين لإيذاء نفسه أو محاولة الإنتحار، كنا نعتمد على خبرة الموظفين الشخصية للتعامل مع الحادثة. أما اليوم، فلدينا دليل إرشادي يوجهنا في كيفية التعامل مع كل حالة.”
ومن موظفي السجن الذين تابعوا التكوين نجد المساعدان الاجتماعيان السيد بردي عبد الحفيظ والسيدة رانيا كريمو، واللذان رأيَا كذلك فرقًا واضحًا في تعامل الموظفين مع السجناء ذوي مشاكل نفسية المعرضين أكثر لخطر إيذاء الذات والانتحار.
وفي هذا الصدد، يقول السيد بردي عبد الحفيظ، “لا يمكننا مساعدة الأشخاص في السجن وإعادة إدماجهم في المجتمع إذا لم يكونوا على ما يرام. حالياً، عندما نستقبل أشخاصاً جدد في السجن، نفحص صحتهم بشكل عام. هل يعانون من القلق؟ هل سبق وأن تعاطوا المخدرات؟ نهتم بهذه المسائل الصحية وغيرها الكثير ونشارك ما نتوصل إليه مع ممرض وطبيب المؤسسة السجنية.”
وبحسب السيدة رانيا كريمو، غالبًا ما يصاب الأشخاص في السجن بالصدمة الأولى عند دخولهم للسجن وأثناء انتظارهم صدور الحكم بحقهم.
وتقول السيدة رانيا: “عندما يودع الأشخاص لدينا، يفقدون وظائفهم، وتفقد أسرهم عائلًا وتراها تعاني من وصمة العار التي تلحقها بتواجد الأب أو الزوج في السجن. وهذا الأمر مرهق نفسياً بالنسبة للنزلاء. لقد صرنا اليوم واعين بهذا أتم الوعي، لذلك نحاول مساعدتهم حتى لا ينتهي بهم الأمر إلى إيذاء أنفسهم.”
وحدّثنَا المساعدان الاجتماعيان عن حالتَان خاصتَان كان للتكوين تأثيرا كبيرا في تدبيرهما.
أما الأولى فتتعلق بنزيل بلغه خبر وفاة والده فعاد إلى زنزانته وبدء في بلطم رأسه مع الحائط بدل المرّة مرّات.
يقول السيد بردي عبد الحفيظ بخصوص هذه الحادثة، “حاولنا تهدئته وتحدثنا معه مستخدمين التقنيات التي أجدناها خلال التكوين. وحصلنا على إذن خاص حتى يتمكن من الاتصال بوالدته خارج الأوقات المسموح بها. كما سُمح لوالدته بزيارته قبل موعد الزيارة المحدد. ولأننا استجبنا لاحتياجاته، توقف النزيل عن إيذاء نفسه. لقد نجحنا في مساعدته وقمنا لاحقًا بتسجيله في نشاط توفره المؤسسة السجنية.”
تتذكر السيدة رانيا كريمو حالة امرأة حملت خارج إطار الزواج، قبل وصولها إلى السجن، وهي حالتنا الثانية. إذ حين اكتشفت السجينة حملها، بدأت في إيذاء نفسها. غالبًا ما يصاحب الحمل خارج إطار الزواج في المغرب، وعلى غرار باقي الدول الاسلامية، وصمة اجتماعية ترافق الأم وترافق الطفل إذ يصعب تسجيله في الدفتر العائلي، ومنه يصعب الولوج إلى خدمات الصحة والتعليم.
وتقول السيدة رانيا عن هذه الحالة : “كان والد الطفل في السجن أيضاً. وقد ساهمنا بتيسير إجراءات زواجهما حسب رغبتهما، وقمنا بإعداد الوثائق اللازمة. أي أنه صار بإمكانهم تسجيل الطفل. كما اتصلنا أيضًا بعائلة السجينة، بعد موافقتها، فباركوا زواجها، وقد كان ذلك أمر مهم بالنسبة لها. أنا فخورة بحصولنا على مباركة العائلة إذ أحدث هذا فرقًا كبيرًا بالنسبة لها.”
كما عبّر المساعدون الاجتماعيون في سجن العرجات 1 أيضاً، عن رضاهم بالتكوين.
ومن بينهم نزهة بالغازي، التي تقول :
“عندما بدأت العمل في السجن، كنت أفتقر إلى أبسط المعلومات بشأن إيذاء الذات والانتحار وكيفية التعامل معهما. أما اليوم فقد تغير الوضع، فتعلمت طرق التواصل المثلى مع الأشخاص المودعين بالسجن، وأن أحيلهم إلى أخصائي نفسي أو طبيب عندما ألاحظ عليهم خطر إيذاء الذات أو الانتحار.”
رشيد مغيض هو مدير سجن تامسنا.
توضح طبيبة سجن العرجات 1، دكتورة لبنى معروفي، أن اللقاء الأول مع الشخص المودع بالسجن بالغ الأهمية لمنع حدوث حالات إيذاء الذات او انتحار. كما أن التقييم الطبي الأولي، لفائدة السجناء الجدد الوافدين على السجن من حالة سراح، مهم أيضًا لتحديد المشاكل الصحية القائمة وما إذا كانوا يحملون جروحا او كدمات على مستوى جسدهم.
وتقول الطبيبة: “يأتي الكثير منهم وهم يعانون مسبقا من حالات مرضية. وليس السجن بالمكان الذي تتحسن فيه الأوضاع. لذلك، فمن المهم ضمان الاستقرار للنزلاء والذين غالبًا لم يكونوا قادرين على تحمل تكاليف العلاج خارج السجن . وهنا نحتاج كأخصائيين في الرعاية الصحية إلى جمع أكبر قدر ممكن من المعلومات عن صحتهم لمنع وقوع حالات إيذاء الذات”، وتوضح الدكتورة أن الممرضين هم الذين يستقبلون الوافدين الجدد بالمؤسسات السجنية.
تخلل المشروع تطوير أسئلة خاصة بهذا التقييم الطبي الأولي للمساعدة على تحديد الأشخاص المعرضين لإيذاء الذات أو الانتحار. يتضمن التقييم أيضًا أسئلة حول إذا ما كان يحمل السجين الوافد على المؤسسة السجنية جروحا او كدمات على مستوى جسده ويتم توثيق كل الملاحظات وإرسال البيانات المناسبة إلى باقي الموظفين وإلى مدير السجن.
وتعتقد طبيبة سجن تامسنا الدكتورة ماريا لحياني أن التكوين ونظام المراقبة الجديد لحالات إيذاء الذات والانتحار قد أحدثَا فرقًا من حيث اهتمام الأطباء بخطر إيذاء الذات والانتحار.
وتقول الدكتورة: “كثيرًا ما نرى جروحًا ناتجة عن شفرات الحلاقة والزجاج المكسور. ومع ذلك، فقد صرنَا أفضل في توثيق الحالات. فبينما كنَّا نعالج الجرح بسرعة ونكتفي بذلك، فقد أصبحنا اليوم نسأل عن أسبابه ونوثقه ونبلغ المصالح الأخرى في السجن”، ثم تضيف:
“قد يؤذي الأشخاص في السجن أنفسهم عندما يتلقون أخباراً سيئة. قد تكون إدانة أو خبر وفاة أو مرض مثل فيروس نقص المناعة البشرية أو السرطان. لقد زاد وعينَا اليوم بهذه الأشياء. أعتقد أن التعاون بيني وبين الموظفين في السجن والإدارة والمساعدين الاجتماعيين قد تحسن أيضًا بفضل التكوين. كما تحسنت أيضًا نظرتهم لدوري كطبيبة في السجن،” وتختتم فتقول: “وتحسنت صحة السجناء بفضل تظافر جهودنا جميعا”.
التحمس الذي لاحظناه تجاه التكوين والنظرة الجديدة للسجن والسجناء لم يقتصر على المساعدين الاجتماعيين والأطباء وإدارة المؤسسة فحسب، بل لاحظناه أيضًا لدى باقي موظفي الأمن.
السيد حميد الحمداوير هو رئيس الأمن و الانظباط بسجن العرجات 1 من الذين شاهدوا وعاشوا العديد من حالات إيذاء الذات ومحاولات الانتحار.
يقول السيد حميد: “لقد عملت في خمسة سجون مختلفة ورأيت فيها الكثير. علمتني خبرتي أنه من المهم بناء علاقة جيدة مع السجناء. الإصغاء نصف التحدي، فإن أجدناه، صار بإمكاننا إيجاد حلول للحيلولة دون إيذاء الأشخاص في السجن لأنفسهم.”
ثم يضيف: “لقد ساعدنا التكوين على تغيير نظرتنا تجاه إيذاء الذات. كنّا من قبل نعتبر أن السجناء يسببون المشاكل بحثًا عن لفت الإهتمام، ولكننا الآن ندرك أن إيذاء الذات قد يكون ايضا علامة على وجود مشاكل نفسية.”
اعتبر العديد من نزلاء السجن ممن تحدثنا إليهم في سجون تامسنا والعرجات 1 أنه بإمكانهم الوصول إلى موظفي الرعاية الصحية متى تطلب الامر ذلك.
وقالت لنا سجينة كانت في السابق تؤذي نفسها:
“ألتقي بالطبيبة النفسية مرة في الأسبوع ، نتحدث معًا. أخبرها بما أشعر به. فتمدني بنصائح قيمة حول كيفية استعادة حياتي السابقة وكيف أكون أمًّا صالحة لطفلي خارج السجن”. ثم أضافت:
“أحلم بالخروج من السجن. حلمي أن أصبح مضيفة طيران وأسافر في شتى أنحاء العالم.”
حياة السجن سجينان في سجن تامسنا 1 في المغرب في طريقهما إلى زنزانتيهما
تعمل معروفي كطبيبة في سجن العرجات 1، حيث تعالج السجناء
يعد المغرب اليوم أول بلد في منطقة شمال أفريقيا والشرق الأوسط يضع سياسة مستقلة لمكافحة إيذاء الذات والانتحار بالمؤسسات السجنية.
وهذا يعني أن جميع موظفي المؤسسات السجنية يتلقون اليوم، في إطار التكوين الاساسي والتكوين المستمر، تكوينًا خاصًّا بالتعامل مع حالات إيذاء الذات والانتحار لدى السجناء. وينطبق هذا على جميع السجون في المملكة، وعددها 74 مؤسسة سجنية.
ووفقًا لمها عون عن معهد ديجنيتي، تعتبر هذه الخطوة مهمة نحو ضمان ظروف سجن جيدة.
يتفق الدكتور توفيق أبطال، رئيس قسم الرعاية الصحية بالمندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج، فيقول:
“تعاوننا مع معهد ديجنيتي مهم. فالجهود ضد إيذاء الذات والانتحار تتطلب انخراط جميع مصالح المؤسسات السجنية. وللجميع دور ومسؤولية في الحفاظ على صحة وسلامة السجناء، وبالتالي تسهيل اعادة ادماجهم في المجتمع. هذا التمشي مطابق للجهود ضد التعذيب والمعاملة اللاإنسانية أو المهينة، والتي صارت اليوم مدرجة كذلك في الفحص الطبي الأولي لكل الوافدين الجدد على جميع سجون المملكة.”
ما العلاقة بين الجهود ضد إيذاء الذات والانتحار والجهود المبذولة لمكافحة التعذيب والمعاملة اللاإنسانية؟
” ان دور الرعاية الصحية بالمؤسسات السجنية بشكل عام هو الحفاظ على صحة وسلامة السجين البدنية والنفسية. وبالتالي يعتبر الفحص الطبي الاولي الذي يخضع له المعتقلون الجدد محطة رئيسية لتقييم الصحة الجسدية والنفسية للمعتقلين.
في حالة معاينة جروح او كدمات اثناء هذا الفحص الطبي الاولي جروحا أو كدمات على مستوى جسم السجين، يقوم طبيب المؤسسة بتوثيق هذه الاعراض ثم يقدم له العلاج المناسب، كما يقوم بالموازاة مع ذلك، بتسليم هذه الوثيقة الطبية إلى مدير المؤسسة السجنية من اجل اشعار النيابة العامة لاتخاذ الاجراءات الواجبة.
“كما يساعد الفحص الطبي الأولي على تحديد عوامل الخطر التي قد تؤدي إلى الانتحار وإيذاء الذات حتى يمكن اتخاذ التدابير المناسبة. كما مكننا عملنا مع معهد ديجنيتي من إنشاء نظام مراقبة حيث يتم تدوين كل حادث بالاستمارة الإلكترونية للسجناء الذين اقدموا على الانتحار محاولات الانتحار والاعتداء على السلامة الجسدية بالمؤسسات السجنية وافادها الى المصالح المركزية بقصد دراستها واتخاذ المناسب.”
سجون تامسنا والعرجات 1 سجون حديثة نسبيًا. فكيف تتأكدون من أن جميع سجون المملكة تتمتع بنفس مستوى الرعاية الصحية ومن نفس مستوى الوقاية ضد حالات إيذاء الذات والانتحار، في علاقة بجهود مناهضة التعذيب والمعاملة اللاإنسانية؟
“تجرى حاليًّا التكوينات في كافة سجون المملكة، كما تم تبني سياسة وطنية موحدة من خلال اعتماد دليل الوقاية من حالات إيذاء الذات ومحاولة الانتحار والانتحار بجميع المؤسسات السجنية. كما يتم أيضا القيام بتتبع المؤسسات السجنية بشكل مستمر من اجل الوقوف على مدى الالتزام بتنزيل هذا الدليل على ارض الواقع. وكما تعلمون، وبشكل عام، ان كل تغيير قد يعرف نوع من التردد لدى بعض الموظفين. وبالتالي، لا يمكن ضمان التنزيل الجيد لهذا الدليل الا من خلال تحسيس موظفي المؤسسات السجنية والتواصل مع جميع مصالح المؤسسات المعنية، وكذلك من خلال عملية المراقبة الميدانية من طرف قسم الرعاية الصحية.
أما بخصوص مناهضة التعذيب والمعاملة اللاإنسانية، فثمت آلية وطنية للوقاية من التعذيب، وهي هيئة دستورية مستقلة، تعنى بمراقبة أماكن الحرمان من الحرية بما فيها المؤسسات السجنية.
إننا واعون كل الوعي بأن المهمة ليست بالسهلة، ولكننا عازمون كل العزم على التنزيل الجيد لدليل الوقاية من حالات إيذاء الذات ومحاولة الانتحار والانتحار بالمؤسسات السجنية.اننا على الطريق الصحيح.
وفقًا للدكتور توفيق أبطال، هناك حاجة إلى التحديث الدائم للتقنيات والمعارف بشأن إيذاء الذات والانتحار حتى يتواصل تحقيق النتائج الإيجابية:
“تغير الوضع حتى بان جليًّا كيف صار موظفو السجون يتقبلون ما تم القيام به في هذا الشأن ويستحسنوه. لقد كان العديد منهم في البداية متردد. والآن يرون أن اعتماد دليل الوقاية من ايذاء الذات ومحاولة الانتحار والانتحار يؤطر عملهم ويسهل مهمتهم ويفيد المنظومة السجنية برمتها. فصرنا نتلقى التبليغات الصادرة عن الموظفين عن حالات إيذاء الذات والانتحار بالشكل والدقة المطلوبين. أصبحت معارفنا الآن جزءًا من المناهج الوطنية لتدريب موظفي المؤسسات السجنية. الأمل مشروع. إذ بان اليوم حجم التغيير الحاصل.”
يقول الدكتور توفيق أبطال: ”نحن الآن نقوم بالتدريب في جميع السجون في البلاد ولدينا سياسة وطنية ودليل لجميع السجون
بدأ مشروع التعاون بين معهد ديجنيتي والمندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج عام 2017 بإجراء البحوث حول واقع الانتحار وإيذاء الذات بالمؤسسات السجنية المغربية. واستنادًا إلى نتائج البحوث وللمعلومات الجديدة المستخلصة، صاغ معهد ديجنيتي والمندوبية العامة لإدارة السجون وإعادة الإدماج مبادئ توجيهية ودليلًا إرشاديًّا موجهًا لموظفي المؤسسات السجنية قصد الحد من حالات إيذاء الذات والانتحار. تم في الأول اعتماد هذا الدليل في ثلاثة سجون كمرحلة تجريبية، قبل أن يتم تعميمه واعتماده الى جانب المبادئ التوجيهية بباقي المؤسسات السجنية، وذلك سنة 2019.
تولى معهد ديجنيتي تكوين فريق من المكونين متعدد التخصصات من العاملين في قطاع السجون وساعدتهم على وضع منهج تكويني خاص بموظفي المؤسسات السجنية للحد من إيذاء الذات والانتحار والتعامل معهما. وقد تمكن هؤلاء المكونين من تكوين أكثر من 6.000 موظف من قطاع السجون. ومنذ ذلك الحين صيغ ونشر نظام وطني لمراقبة حالات الانتحار وإيذاء الذات لرصد نتائج التدخل.
يحظى هذا المشروع بدعم من مؤسسة المجتمع المنفتح و برنامج الشراكة الدنماركية العربية (DAPP)، وهو برنامج للتعاون التنموي بين الدنمارك ودول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
DIGNITY –
Danish Institute Against Torture
Bryggervangen 55
2100 Copenhagen Ø
Phone: +45 33 76 06 00
[email protected]
CVR: 69735118
EAN: 5790000278114
Konto: 4183 4310821209