قبل استعراض لجنة الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب للوضع في مصر، في الجلسة المقررة بين 12 إلى 15 نوفمبر الجاري، قدمت منظمات حقوقية مصرية ودولية تقريرًا مشتركًا إلى اللجنة، يؤكد أن التعذيب في مصر سياسة ممنهجة، يتمتع مرتكبوه بالإفلات التام من العقاب، بمباركة أجهزة الدولة المختلفة. هذا التقرير الحقوقي يعد بمثابة رد حاسم على إنكار الحكومة المصرية المستمر لواقع الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، بما في ذلك التعذيب، والإخفاء القسري، وسوء المعاملة، والإهمال الطبي في أماكن الاحتجاز.
منذ أن توصلت لجنة مناهضة التعذيب في 2017 إلى “استنتاج لا مفر منه” بأن التعذيب في مصر “ممارسة منهجية”، لم تتخذ الحكومة المصرية أي خطوات جادة لمعالجة هذه القضية، بل لجأت إلى مبادرات العلاقات العامة المصممة لتبييض سجلها في مجال حقوق الإنسان. وتشمل هذه المبادرات الاستراتيجية الحكومية الوطنية لحقوق الإنسان، التي تشيد بشكل انتقائي بالتشريعات الوطنية المنقوصة، بينما تغض الطرف عن الانتهاكات المنهجية التي ترتكبها هيئات إنفاذ القانون ودور القضاء والنيابة العامة في دعم سياسة الإفلات من العقاب الشاملة. وكذلك مجمعات السجون الجديدة، التي تحتفي الحكومة المصرية بإنشائها كدليل على تحسين ظروف الاحتجاز، رغم من معاناة السجناء من ظروف أسوأ فيها.
تقدم منظماتنا هذا التقرير المشترك لتفنيد ادعاءات الحكومة المضللة وتسليط الضوء على الاستخدام المنهجي للتعذيب من قبل السلطات المصرية. إذ تم إضفاء الطابع المؤسسي على هذه الممارسة عمدًا لفرض سياسات قمعية، وانتزاع الاعترافات، والحفاظ على السيطرة، بما في ذلك قمع المعارضة السياسية السلمية وردعها. وما زالت السلطات تلجأ لممارسات الاعتقال التعسفي والاختفاء القسري والتعذيب ضد المعارضين، قبل الانتخابات الرئاسية المقبلة في مصر.
هذا التقرير المشترك هو نتيجة لجهود الرصد والتوثيق المكثف لمنظمات حقوقية مصرية مستقلة هي؛ المفوضية المصرية للحقوق والحريات، ومركز النديم، والجبهة المصرية لحقوق الإنسان، ولجنة العدالة، ومركز القاهرة لدراسات الحقوق الإنسان. بالتعاون مع المنظمة العالمية لمناهضة التعذيب، والمعهد الدنماركي لمناهضة التعذيب، والمجلس الدولي لإعادة تأهيل ضحايا التعذيب.
يعتمد التقرير على مصادر أولية وثانوية، بما في ذلك شهادات الضحايا، وروايات عائلات الضحايا ومحاميهم، ووثائق المحكمة، بالإضافة إلى التحليل القانوني للتشريعات المصرية، فضلاً عن تسليط الضوء على الأنماط الرئيسية للانتهاكات المتكررة على مدى العقد الماضي. ويؤكد هذا التقرير بشكل قاطع على الطبيعة المنهجية للتعذيب في مصر، وتورط الهيئات والمؤسسات الحكومية المختلفة، بما في ذلك القضاء والنيابة العامة، في حماية مرتكبيه.
تدعو منظماتنا لجنة مناهضة التعذيب وجميع الأطراف المعنية إلى مراجعة هذا التقرير الموازي بعناية؛ والاعتراف بأنماط الانتهاكات واسعة النطاق والمنهجية المرتكبة خلال العقد الماضي، والإقرار أن التعذيب في مصر يصل إلى مستوى جريمة مستمرة ضد الإنسانية. إذ توفر المراجعة المقبلة لسجل الحكومة المصرية في ملف التعذيب، فرصة نادرة لتسليط الضوء على واقع التعذيب في مصر، والضغط على الحكومة لوضع حد لثقافة الإفلات من العقاب وضمان حماية حقوق جميع مواطنيها.